سألت نفسي في إحدى الليالي المقمرة، و
قد تأملت حالي، رأيت العمر يمضي مسرعا، و أيامي
تحصدها الأحداث، فتطوي أثرها، و أنا أرى الأقدار تخطف الأحبة دون مواعيد
مسبقة، أحبة رحلوا في صمت،
دون توديع من أحبوا، أحبة تركوا الدنيا وراءهم كحلم جميل عاشوه في
غفوة الظهيرة ،
رحلوا دون تدقيق الحسابات، و دون
برمجة الرحالات هكذا رحلوا في صمت.
قلت: هم لمثلي موعظة، تخيلت نفسي أنا
المودع، صائر لأجلي المحتوم في أي لحظة !
و أنا المسروق في لحظات غفلة!
كيف أرحل عن الدنيا و استقبل أجلي و
لم اترك أثرا؟!
كيف أرحل و سجلي ملطخ بحبر أسود، سودته حالكات الأيام؟!
في غمرة هذا التأمل، تهتز نفسي و
تنخفض ، كأنها تشاهد فلما، يحمل مشاهد
مرعبة، و أنا في غمرة هذا التجوال التأملي استحضرت قصة لطيفة وعميقة الأثر، ترويها السيرة النبوية الشريفة عن حديث السيدة
خديجة رضي الله عنها حين جاء الرسول صلى الله عليه وسلّم الوحيُ ، فهرع مسرعا إلى شريكة حياته ، يروي لها قصة الملك ، يروي لها ما
حدث ، وقد أصابه الفزع مهول ..
فأخذت الزوجة الصالحة تسترجع معه كل أثر
جميل، تذكّر زوجها بكل أثر إيجابي، صنعه في حياته ، كأنها بهذا الموقف التربوي المؤصل ، ترسم
لنا مشروعا يصوغ حياتنا بالعطاء.
قالت الزوجة الصالحة مطمئنة
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم و هي
تشد من أزره، تقوي عزيمته، تشحذ همته
بكلمات تهزنا : «والله لا يُخزِيكَ
الله أبدًا؛ إنك لتصِلُ الرَّحِم، وتصدُقُ الحديثَ، وتحمِلُ الكَلَّ، وتَقرِي
الضَّيفَ، وتُعينُ على نوائِبِ الدهر»..!!
إن مثل هذا الأثر لا يعدم، و لا تمحو
أثاره، و لا يضعف صاحبه و لا يخيب، بل أن
خير الدنيا و الآخرة سيطوع له، و لو حزبته الأمور، و ضاقت عليه
الأمور؛ فالمعروف لا تعدم جوانبه أبدا.
إن الإنسان الإيجابي هو ذاك الذي يترك
أثرا في حياته، يترك أقرا طيبا في نفسه، يترك أثرا طيبا بين أهله، يترك أقرا في
مجتمعه، يترك أثرا غي أمته، بل آثاره تتعدى الحدود ليصل خيرها و نفعها الانسانية
جمعاء، لأن المرء الصالح لا يعيش لنفسه، بل يعيش ليسعد الأخرين.
و لعل
أفضل أثر يبعث في نفوسنا الأمل،
نستلهمه من الحديث النبوي الشريف
الذي أتخيله وصيّة تحمل الفوائد و الدروس، لكل من يريد أن يسير في طريق العطاء، لمن يريد
أن يترك أثرا يذكر به بعد مماته، و
الحديث لا يحتاج طول شرح أو تعقيب ، فهو واضح في بيانه
يقول الصادق المصدوق : «إن قامَت الساعةُ وفي يدِ أحدِكم فسِيلَة،
فإن استطاعَ ألا تقومَ حتى يغرِسها فليغرِسها».!