إنه لمن الشيء الفطري أن يكون للإنسان
ميولاً ورغبات. ومن ذلك أن يكون له هوايــة.. والهواية من الهوى، وهوى « أحب
" » 1 وبما أن الحب تبع للنفس فليس كل حب صحيح ، فمنه الروحاني ومنه
الشيطاني.
إن الرغبات والميول منها المباح ،
ومنها المكروه ، ومنها المحرم . إن التفقه الدقيق في القرآن والسنة يفرز لنا كل
نوع على حدة ، وبناءً عليه نُفًعًل إرادتنا إيجاباً مع المباح فنمارسه ، وسلباً مع
المحرم فنرفضه . فعلى ضوء ذلك نتعامل مع الهواية .
فالهواية يحب أن تأخذ حيزها الطبيعي في
تلبية حاجيات الإنسان الجسمية والعقلية والنفسية ، فإذا تجاوزت هذا الحيز أصبحت
الهواية ظاهرة مرضية وشاذة . فالهواية كالغرائز إن سلكت طريقها الشرعي نفعت ، وإن
زادت ممارستها عن الحد المطلوب أضرت ، وإن كانت من المحرمات أفسدت . وإن حرم
الإنسان منها قد يعيش في ضيق وحرج .
هوايات الناس كثيرة أهم أنواعها:
- القراءة المستمرة و الألعاب الرياضية
ككرة قدم ، ملاكمة ، سباحة ،...الخ
- الشطرنج ، النرد ( الطاولة ) ...رؤية
مسلسلات ، تواصل اجتماعي عبرالنت
- جمع الطوابع ، الطيران ، الرسم ،
تربية الطيور ، الصيد ، ركوب الخيل ....
يشعر المرء عندما يمارس هوايته بالراحة
النفسية ، ولو تعب في هوايته ، لذلك نراه يقضي وقت فراغه في ممارسته لها .
كما أن أصحاب الهواية الواحدة يألفون
بعضهم البعض ، فنراهم يتوادون ويتسامرون .
إلا أن الهواية قد تنقلب من متعة تلبي
حاجة نفسية إلى مفسدة ، خاصة في هوايات المنافسة ، إما غالب أو مغلوب . لايتحمل
المغلوب الهزيمة فقد يغضب وينتقم ، فتنقلب الهواية إلى مضرة كما في بعض المباريات
الرياضية ، أو من نوع الهوايات المحرمة كلاعبي القمار . فقد يرتكب الخاسر جريمة
بحق الرابح ليسترجع ما ربحه منه . أو أن تكون المفسدة في جنوح وتطرف في ممارسة
الهواية . هذا الجنوح إما أن يكون على حساب الصحة ، أو الدخل المالي ، أو الدراسة
إن كان طالب ، ..أو على حساب واجبات تجاه خالقه بالعبادة والطاعة أو تجاه نفسة أو
أسرته أو أمته . خاصة إن كان فيها إضاعة للمستقبل وهدر للوقت . وقد تكون على حساب
حياته . فوقت الإنسان غالٍ ، وصحته رأس ماله ، ومستقبله يجب أن لايغيب عن باله .
.فعلى المرء أن يتحكم بهوايته لا أن
تتحكم به ، خاصة أن النفس تطلب في كل الأمور أكثر من حاجة الجسم ، فإذا لم يتحكم
صاحبها بها أوردته إلى التهلكة .
فكم من هاوٍ لكرة القدم كان همه متابعة
وحضور المباريات بين الأندية المحلية والعالمية . وفي نهاية المطاف وجد نفسه أضاع
المال والوقت .
وكم من راكب دراجة ناريه ، ركبها وهو
فرحاً بسرعتها . وإذ وجد نفسه في نهاية المطاف طريح المستشفى يعاني من جروحه ، أو
فارق الحياة
وكم من طالب جرفته هواية الشطرنج للعب
مع أصدقائه الذين زعموا أنهم يدرسون سوية . فكانت نتيجة الإمتحانتات رسوب الجميع.
وكم من هاوٍ للأناقة واللباس الفاخر ،
والمظاهر الخادعة ، أصبح عبد لها أنفق ماله في غير محلة ومنصرفاً عن تزكية نفسه ،
و عبادته لربه .
وكم من هاو للصيد صرفه صيده عن واجباته
تجاه ربه وأهله . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ...« مَنْ بَدَا جَفَــــــا، وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ
غَفَـــــــــلَ » 1...
بدا : أي سكن البادية . جفا: غلظ طبعه.
الصيد حلال ، باستثناء ما حرم منه . الحديث النبوي يلفت الإنتباه أن الإستغراق فيه
،كما عند بعض هواته يؤدي إلى الغفلة عن واجبات أهم منه ، والله أعلم .
جملة القول من المستحسن أن يكون
للإنسان هواية . يتحكم بها ، ولا تتحكم به . تجلب له منفعة وتبعد عنه مفسدة.
_________
1-كما ورد في قاموس مختار الصحاح 2-
مسند ابن ابي شيبة 32957